أرشيف

تحليل سياسي .. أبعاد زيارة أمير قطر إلى صنعاء

في زيارة وصفت من قبل المراقبين بالمفاجئة وغير المعلنة والخاطفة أيضا ، وصل أمير قطر ، الشيخ خليفة بن حمد إلى صنعاء ، لإجراء مزيد من المشاورات مع الرئيس علي عبدالله صالح ، تناولت أهم المواضيع التي تضمنتها رسالة الأخير للأمير والتي قام بتسليمها الدكتور عبدالكريم الارياني قبل يوم واحد فقط من زيارة الشيخ حمد . وبحسب بعض المصادر الدبلوماسية أكدت الرسالة على عمق العلاقة بين البلدين والإشادة بمواقف قطر التي كان لها دورا كبيرا في إفشال ما سمته الرسالة بمؤامرة الانفصال أثناء حرب صيف 94 م ، وكذلك الإشادة بجهود قطر في دعمها للحكومة اليمنية لإنهاء التمرد في صعده ، والى جانب ذلك جددت الرسالة الاعتذار لقطر عن سؤ التقدير لإلغاء اتفاق الدوحة ، وحملت الرسالة الحوثيين مسئولية دفع الحكومة اليمنية لاتخاذ ذلك الإجراء ، بسبب إعدادهم لجولة جديدة من الحرب .

وفيما أكدت الرسالة استعداد اليمن لتفعيل اتفاق الدوحة ، عبرت أيضا عن تطلع الحكومة اليمنية إلى مواقف قطر الداعمة لها في المرحلة المقبلة إزاء ما أشارت إليه الرسالة من مؤامرات داخليه وخارجية تحاك ضدها وتستهدف وحدتها وأمنها واستقرارها .

ومن خلال التصريحات التي أدلى بها أمير قطر للصحفيين والتي أعقبت المباحثات ، يمكننا ملامسة ابرز المواضيع التي تم التطرق لها ، فقد أشار أمير قطر في ردوده على أسئلة وسائل الإعلام ، إلى إن قطر دائما موجودة في مشاكل اليمنيين … إلا إذا رفضونا الإخوان ( اليمنيين ) ، واستطرد قائلا ، وللامانه لم يرفضونا حتى الآن . وأضاف … ونحن سعداء لبذل الجهود لبقاء الوحدة اليمنية لكي لا يحدث في اليمن ما يحدث الآن في جنوب السودان ودارفور من تدويل وبموافقة أطراف عربية . وأشار أيضا إلى وجود أخطاء في الوحدة ، معتبرا تلك الأخطاء موجودة في الدول العربية . ومن جهة أخرى طالب المعارضة بالاستجابة للحوار الذي دعى إليه الرئيس ، وفيما أشاد باستقلال القضاء ، أوضح عندما تحدث الرئيس عن اتفاق الجانبين على تفعيل اتفاق الدوحة إلى نقاطه الخمس ، إلا أن الرئيس أكد انه أضاف النقطة السادسة المتعلقة بأطراف ثلاثة هي اليمن والسعودية والحوثيين .

ويبدو من تلك التصريحات أن المباحثات بين الجانبين قد تطرقت إلى قضيتين رئيسيتين هما مستجدات الأوضاع في صعده بعد الحرب السادسة والأوضاع في الجنوب ، ففي سياق استعراضه لهاتين القضيتين يعتقد بعض المراقبين أن الرئيس أشار إلى أن الحوثيين لم يلتزموا ببنود وقف إطلاق النار كإخلاء مواقعهم وتسليم أسلحتهم والسماح لقوات الجيش والأمن بالانتشار في محافظة صعده ومؤكدا أن وقف إطلاق النار لا زال هشا ، وان السعودية استغلت ذلك الوضع لإقامة ترتيبات عسكرية وأمنية على الحدود تتنافى ومعاهدة الحدود بين البلدين .

وفيما يتعلق بالأوضاع في الجنوب أشار كعادته إلى أن الاحتجاجات هي في بعض مديريات محافظات الضالع ولحج وأبين ومن عناصر انفصاليه فقدت مصالحها بعد حرب عام 94 م ، وان الحكومة تواصل جهودها لإعادة الاستقرار إلى تلك المديريات . وتطرق الرئيس إلى مبادرته التي أعلنها عشية الذكرى العشرين للوحدة ، معتبرا أنها كفيله بإعادة الاستقرار ليس في الجنوب وإنما في عموم اليمن ، بما في ذلك تلافي الأخطاء التي حدثت في الوحدة ومؤكدا أن أحزاب المعارضة هي التي تعرقل انطلاق الحوار باشتراطها الإفراج عن أشخاص محكومين وآخرين يحاكمون بقضايا جنائية ، مشيرا إلى أن قضيتهم بيد القضاء ، ومدعيا بان القضاء في اليمن مستقل ، الأمر الذي دفع أمير قطر إلى الإشادة باستقلال القضاء أمام وسائل الإعلام .

وفي إطار الرد على حديث الرئيس أثناء المباحثات ، يعتقد نفس المراقبين أن أمير قطر أشار إلى استعداد قطر لبذل جهودها مع الحوثيين لتلافي أي تصعيد في صعده . وتحفظ الأمير على إضافة بند جديد يخص اليمن والسعودية والحوثيين إلى اتفاق الدوحة ، بحجة أن ذلك قد يخلق حساسية لدى المسئولين في المملكة ، إلا أن الرئيس أصر على إضافة ذلك البند كما حدث أمام وسائل الإعلام . وعبر أمير قطر عن مخاوفه من تدويل قضايا اليمن مثلما يحدث في السودان وبموافقة أطراف عربية ، مشبها الوضع في اليمن بالسودان ، ومؤكدا على أهمية أن تبادر اليمن بإيجاد حلول لمشاكلها واتخاذ خطوات لتسهيل انعقاد الحوار ومعربا عن استعداد قطر لبذل الجهود مع مختلف الأطراف إذا وافقت الحكومة اليمنية على ذلك ، لان المهم هو الحفاظ على الوحدة . وفيما وعد الرئيس باتخاذ خطوات لتسهيل الحوار ( وجه بالإفراج عن المثقلين من الحراك الجنوبي وحرب صعده بعد زيارة أمير قطر ) ، فانه في المقابل لم يقبل ولم يرفض مبادرة قطر بشان بذل جهودها لتفادي انفصال الجنوب ، وإنما ترك الباب مفتوحا فيما لو احتاجت اليمن لجهود قطر في المرحلة القادمة ، ولذلك حاول أمير قطر أمام وسائل الإعلام أن يقول أن الرئيس لم يرفض جهودنا لكنه لم يقبلها في الوقت الراهن ، رغم خطورة الوضع في الجنوب .

ومن خلال ما دار في المباحثات وتصريحات أمير قطر ، تتضح بصورة جلية مخاوف الجانبين من جدية تدويل أزمات اليمن ومشاكلها رغم تجاهل نظام صنعاء لها، خاصة وأن أمير قطر الذي يمتلك الكثير من المعلومات هو من أشار إليها، وربما امتلك النظام نفس المعلومات أو بعضها بعد زيارة الارياني للولايات المتحدة ولقاءاته بعدد من المسئولين في الإدارة الأمريكية والكونجرس الأمريكي في ظل مظاهر ضعف النظام وفشله في تحقيق الانتصار في الحرب السادسة في صعده وتصاعد الاحتجاجات الشعبية في الجنوب المطالبة بفك الارتباط، رغم الحملات العسكرية والأمنية غير المسبوقة في كل أراضي الجنوب وحصار المدن وأساليب القتل المتعمد والاعتقال بحق قادة ونشطا الحراك. وبالإضافة إلى ذلك تردي الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية بصورة لم يسبق لها مثيل والتي يرفض النظام الاعتراف بها، بل لجأ مؤخراٌ إلى تغطية ضعفه والأوضاع الخطيرة بخطاب سياسي وإعلامي شبيه بخطاب الحرب عام 94 المليء بالتهديد والوعيد ضد الجنوب والجنوبيين وتهديد المعارضة والمجتمع الدولي بالسير إنفرادي في إجراء الاستحقاق الانتخابي كما جاء في بيان اللجنة العامة للمؤتمر الشعبي العام.

وللوقوف على حقيقة دوافع النظام من إعادة تحالفه مع قطر، فأن المؤشرات السياسية تدلل بأنها موجهة ضد المملكة العربية السعودية ليس بسبب ما سربه النظام من معلومات حول الترتيبات الأمنية والعسكرية السعودية الأخيرة على خط الحدود ومخالفتها لمعاهدة الحدود بين البلدين وإنما لدوافع وأسباب عديدة داخلية وخارجية أهمها ما يلي:

أولا: أن الولايات المتحدة الأمريكية وفي أثناء زيارة الملك عبدالله إلى واشنطن قبل عدة أسابيع قد وافقت على إشراك السعودية في بحث وإيجاد الحلول لعدد من القضايا الإستراتيجية في المنطقة وبالذات ملف اليمن الملي بالأزمات والتحديات والأخطار المحدقة باليمن و دول المنطقة والمجتمع الدولي تحت عنوان " الاستقرار في اليمن " وهذا يعني أن الولايات ستأخذ في الاعتبار رؤية المملكة ومصالحها بشأن حل الأزمات ومشكلات اليمن، الأمر الذي يعتبره نظام صنعاء بداية لتدويل قضايا اليمن وبالذات قضية الجنوب التي لا يعترف النظام بوجودها وملف الإرهاب الذي يقلل من شأنه وخطورته بغرض استخدامه كورقة ابتزاز ومساومة كما حدث في الماضي مع دول الجوار والمجتمع الدولي تضمن له عدم إثارتهم لقضية الجنوب وعدم إعراضهم على توريث الحكم لأبنه من بعده.

ثانيا: أن نظام صنعاء ومن خلال تفعيل اتفاق الدوحة يحاول الإيحاء بأنه قد جدد ثقته بقطر التي وقفت إلى جانبه في حرب عام 94، وبعث رسائل غير مباشرة إلى أطراف عربية كالسعودية ومصر ومجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية، تعبر عن رفضه لجهودها لمساعدة اليمن في حل مشاكله وأزماته، لأن تلك الجهود بحسب وجهة نظره تقود بالتدريج إلى تدويل مشاكل اليمن وبموافقة عربية مثلما حدث في حرب 94 التي تم تدويلها وبالتالي تدويل قضية الجنوب وصدور القرارين 924 و931 .

ثالثا: أن نظام صنعاء، وفي الوقت الذي تزداد فيه مشاكله وأزماته تفاقما، تجاهل بتعمد الوفاء بالتزاماته التي تعهد بها في مؤتمر لندن قبل أكثر من ستة أشهر في القيام بإصلاحات سياسية واقتصادية جذرية، وأدخل الاجتماعات المنبثقة عن مؤتمر لندن والتي عقدت في أكثر من عاصمة عربية وأوربية في متاهات مشاكله المالية والاقتصادية لغرض صرف أنظار المانحين والمجتمع الدولي عن تعهداته للقيام بإصلاحات سياسية ، وأستغل فترة ما بعد وقف إطلاق النار الهش في صعده والذي يزداد هشاشة يوما بعد يوم ، في محاولات يائسة منه لإخماد الاحتجاجات الشعبية في الجنوب من خلال تعزيز قواته بعشرات الآلاف من القوى العسكرية والأمنية لمحاصرة وقصف مدن وقرى الجنوب وقطع الطرقات واستخدام الرصاص الحي في تفريق الاحتجاجات والتي نجم عنها عشرات الشهداء ومئات الجرحى ، وبذلك أشاع أجواء من التوتر وعدم الاستقرار ، ووفرت تلك التصرفات بيئة مناسبة للنشاط الإرهابي للإيحاء بأنه يحارب الإرهاب ، رغم شكوك بعض المراقبين العرب والأجانب بروايات النظام عن الهجومين على مقرات الأمن السياسي في عدن وزنجبار ، واعتقادهم بان ما جرى هو صراع بين أجهزة الأمن على صله بأجنحة في قمة هرم النظام .

رابعا: إن نظام صنعاء يدرك انه وضع تحت المجهر منذ انعقاد مؤتمر لندن ، تحسبا من التأثيرات الخطيرة المباشرة وغير المباشرة لتطورات الأوضاع في اليمن على الاستقرار في المنطقة التي تحتضن أهم المصالح الحيوية لمختلف الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية. ولان نظام صنعاء يتوقع ازدياد الضغوط عليه في المؤتمرات القادمة المتفرعة عن مؤتمر لندن وكذلك الضغوط الثنائية ، فانه سيكون بحاجة ماسة إلى جهود قطر وعلاقاتها الدولية الواسعة لتخفيف تلك الضغوط ، وربما يفكر مستقبلا في الاستفادة من جهود قطر وخبرتها في إدارة الحوارات ، ولكن ليس على طريقته للهروب من استحقاقات يجب عليه دفعها وبالذات فيما يتعلق بالقضية الجنوبية .

ويتداول بعض المراقبين سيناريو بشان استضافة ورعاية قطر للحوار ، وذلك في حالة عدم مشاركة قادة الحراك الجنوبي وقادة الجنوب في الخارج في حوار صنعاء ، وهو ما يعني في الأخير فشل الحوار ، حيث يعتقد هولا المراقبين إن نظام صنعاء قد بدء يشعر بفقدان السيطرة على الاحتجاجات الشعبية التي يقودها الحراك الجنوبي في المحافظات الجنوبية، واستنادا لهذا المعطى وتجنبا لمزيد من التدهور في الأوضاع ، وما ينتج عنها من فوضى وعدم الاستقرار وتدخلا إقليميا ودوليا ، فان النظام قد يطلب من قطر استضافة ورعاية الحوار على أمل إن يتمكن بعض قادة الجنوب في الخارج تحديدا من المشاركة في الحوار ، بغرض شق الصف الجنوبي و لضمان ثلاثة أمور هي :-

1- إن الحوار سيكون حوارا وطنيا في أطار الوحدة وليس حوارا بين الشمال والجنوب ، وفق القرارين الدوليين 924 و931 .

2- عدم مشاركة أي طرف عربي أو دولي لمنع تعريبه أو تدويله .

3- أن لا يتعدى منتوج ذلك الحوار سقف الوحدة .

وعلى الرغم من أن النظام قد مهد لذلك السيناريو بالإفراج عن عدد من المعتقلين من قادة ونشطا الحراك مبشرة بعد زيارة أمير قطر كمؤشر على ربط ذلك بجهود قطرية ، لكي يتجاوب بعض قادة الجنوب وبعض قادة الحراك مع أية مبادرة قطرية في المستقبل ، ( على طريقة المفاوضات الجارية بشان دارفور أي أن تبدأ بمن يقبل التفاوض من منظمات دارفور مع النظام السوداني ويترك الباب مفتوحا لانضمام أخرى ) ، إلا أن قطر تدرك أن قضية الجنوب ليست كقضية دارفور وتدرك أيضا إن نجاح أية مبادرة بشان الجنوب يتطلب موافقة جميع الأطراف المعنية عليها ، ولا سيما قوى الحراك الجنوبي الفاعلة وقادة الجنوب في الخارج ، وجميعهم رفضوا المشاركة في حوار صنعاء وسيرفضون أية مبادرة قطرية إذا لم يعترف نظام صنعاء بالقضية الجنوبية ومرجعية حلها القرارين الدوليين رقم 924 و931 . وبالإضافة إلى ذلك تدرك قطر أهمية وجود توافق إقليمي ودولي ، كمجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية والأمم المتحدة والدول الفاعلة في الشؤون الدولية ، كما حدث في مشكلة لبنان ويحدث في دارفور وجميعها مشاكل داخلية ، وهذا ما لا يريده نظام صنعاء ، ولذلك فان أية مبادرة قطرية بمواصفات يحددها نظام صنعاء غير واردة حتى من قبل قطر ، ولن تكون ذات جدوى في أي وقت من الأوقات ، في ظل وجود توافق خليجي وعربي ودولي على حل لقضية الجنوب في إطار الفدرالية وربما تطور في المستقبل القريب بحسب بعض المراقبين إلى الفدرالية المشروطة باستفتاء الجنوبيين بعد فترة انتقالية لا تتعدى الفترة الانتقالية للوحدة وهي ثلاث سنوات .

ويستنتج بعض الخبراء والباحثين في الشؤون اليمنية مما تقدم ، إن زيارة أمير قطر إلى صنعاء لم تكن ناجحة ، بالقدر الذي صورها الإعلام الرسمي للنظام ، ولم يحدث أي اختراق سياسي على صعيد الأوضاع في صعده أو القضية الجنوبية ، عدا الإفراج عن بعض المعتقلين السياسيين والذي أدى إلى توقيع اتفاق بين أحزاب المعارضة والمؤتمر، كآلية تنفيذية لاتفاق فبراير عام 2009 . على أن النظام واصل التمترس خلف مواقفه الرافضة للجهود العربية والدولية الرامية لإيجاد حل للقضية الجنوبية ولا سيما الجهود القطرية .

ومن جانب آخر ، ففي الوقت الذي حاول فيه نظام صنعاء توظيف زيارة أمير قطر ، لابتزاز السعودية وقطر معا ، وإيجاد شرخ في العلاقات بينهما ينعكس في المستقبل على التوافق داخل مجلس التعاون الخليجي بشان حل القضية الجنوبية ، فان شرخا بالفعل قد أصاب علاقة النظام بالسعودية ، بعد أن ادخل قطر مرة أخرى إلى شان له علاقة بالسعودية وعلى حدودها مباشرة ، واوجد حالة من عدم الثقة وشكوك لدى القطريين بسبب إصرار النظام على إضافة نقطة سادسة إلى اتفاق الدوحة ، مما جعل أمير قطر يتوجه مباشرة من صنعاء إلى المغرب حيث يتواجد الملك عبدالله لوضعه في صورة زيارته إلى صنعاء ونتائجها ، الأمر الذي دفع نظام صنعاء إلى تصعيد الوضع في صعده ، في رسالة وصفها بعض المراقبين بالمراضاة والاعتذار للسعودية ، وتجميد آخر غير معلن لاتفاق الدوحة ، بعد موافقة الحوثيين على الوساطة القطرية .

شبكة الطيف الاخبارية

زر الذهاب إلى الأعلى